حين تحط الحروب رحالها في بلد ما، فهي لا تعيث فيه خراباً ودماراً فحسب، بل تبدل ملامح مجتمعات بأسرها. تفرض نمطاً جديداً للحياة، فتتبدل العادات ويصبح الواقع المستحدث هو التقليد.
ولأن شهر رمضان هو شهر الحركة والتواصل فإن النزاعات والمخاطر تفرض أسلوباً جديداً للتعامل مع الشهر الفضيل.
العراق عادات اندثرت تدريجياً
غيرت الأزمات التي يعيشها العراق منذ سنوات ملامح شهر رمضان، فتبدلت العادات وتغيرت. وأصبحت شريحة واسعة من المجتمع العراقي تقضل ملازمة المنزل حفاظاً على سلامتها وسلامة عائلتها. إلا أن الحروب لم تقتل روحية رمضان، فالبعض ما زال يتحدى كل المخاطر ويحاول قدر الإمكان الإبقاء على عادات بدأت تتلاشى. التحضير لشهر رمضان في العراق يبدأ مع نهاية شهر شعبان، فيتم شراء المواد الغذائية وتخزينها.
وتشتهر بغداد بسوق «الشورجة»، الذي يشهد حركة كثيفة قبل موعد الإفطار، إلا أن الصراعات التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية جعلت البعض يتجنب الأماكن المزدحمة. ومن العادات العراقية التي اندثرت هي تناول الإفطار على أسطح المنازل، لكن الطائرات الأميركية المحلقة بشكل دائم خلال فترة غزو العراق ناهيك عن الرصاص الطائش قتلت هذا التقليد.
كما يقوم أهل العراق بتكثيف الزيارات خلال شهر رمضان، ويتم دعوة بعضهم البعض إلى وجبات الإفطار. وتعيش المساجد أجواء روحانية بامتياز فتكثر الصلوات والدعوات وتقام المسابقات الدينية.
تحفل الموائد العراقية بالكثير من الأطعمة التقليدية، الإفطار طبعاً على التمر العراقي الشهير واللبن، وللموائد العراقية مشروب خاص يدعى «النومي بصرة»، يُعتمد عند الافطار والسحور. أما الأطباق الرئيسية فهي الهريسة العراقية «الحنينية البغدادية» و«الدورمة» والكبة الحلبية.
أما أشهر الحلويات فهي البقلاوة والزلابية. وتنتشر الألعاب التراثية الشعبية في الأحياء، ولعل أشهرها «المحيبس» التي تجذب آلاف العراقيين إما للمشاركة أو للتشجيع. وتمارس عادة في الأحياء والمقاهي، وتشهد منافسة بين أبناء المناطق المتجاورة.
سوريا ..صيام وحروب
كما في العراق كذلك في سوريا، فإن الصراعات فرضت نفسها، وعدلت العادات والتقاليد الخاصة برمضان. البعض بات يكتفي بيوميات الصيام والإفطار في المنزل، وربما إن سمحت الظروف الأمنية قد يتوجه إلى المسجد. لكن الحال لم تكن على هذا الشكل دائماً بل كانت الشوارع السورية تتزين باللافتات والصور الخاصة بالشهر المبارك.
تبادل دعوات الإفطار سمة بارزة في المجتمع السوري كما تنشط الخيم الرمضانية، التي تؤنس أهالي الأحياء حتى مطلع الفجر. وتنشط الحركة في الأسواق والمحلات التجارية حتى موعد السحور، الأمر الذي لم نعد نراه في سوريا حالياً.
من أشهر الأطباق السورية التبولة والبطاطا المقلية والفطائر والمكدوس، أما طبق السحور فهو عبارة عن رقاقات العجين التي يرش عليها دبس العنب. والحلويات المحشوة بالقشطة والبقلاوة، وطبعاً القطايف العصافيري المفضلة لدى السوريين.
ومن العادات الراسخة في سوريا تناول الشاي بعد الإفطار، والتوجه مباشرة للمساجد لإقامة صلاة التراويح ، وبعدها يصار إلى الاجتماع عند كبير العائلة حتى منتصف الليل. وبعد السحور يتوجهون لأداء صلاة الفجر وللاستماع إلى المشايخ الذين يردون على أسئلة الصائمين.
رمضان اليمن «الحزين»
حكاية اليمن مع الصراعات أزلية، وهي منذ مدة تتداخل مع تفاصيل الحياة اليومية فتبدلها وتعدلها لتتناسب مع الواقع. لكن بعض المناطق حافظت على خصوصية شهر رمضان، فلم تحد قيد أنملة عن عادات متوارثة. يجتمع الرجال والصبية في اليمن أمام المسجد الكبير في المدن مع بداية شهر رمضان، ينتظرون دورهم للخضوع لتكحيل عيونهم. تقليد يمني قديم يعتبره البعض تطهيراً للعين مع بداية شهر الصوم.
ولليمن خصوصية في عاداته إذ تركز على المشاركة، يحمل كل منهم إفطاره في كيس صغير ويتوجه إلى المسجد حيث يجتمع مع آخرين ويقومون بتشارك الطعام. وهكذا تتحول الكميات القليلة إلى وليمة متنوعة يتشارك فيها كل من يقصد المسجد. في الأرياف تتخذ هذه العادة أشكالاً مختلفة، إذ يتوجه الرجال عادة إلى المساجد وينتظرون قيام ربات المنازل بإرسال الأطباق اليهم. وتقوم كل أسرة بإرسال «سفرة» تضم مختلف الأطباق، وقد تحدد الجهة المرسلة العائلة التي تريدها أن تحصل عليه، وقد تدعو إليها كل من يتواجد في المسجد.
لكن جميع هذه العادات باتت محفوفة بالمخاطر في ظل الصراعات التي تعيشها البلاد. فبات البعض يكتفي بإفطار في المنزل وزيارات مختصرة للعائلة والجيران. الإفطار على التمر عادة يقوم بها كل يمني من دون استثناء، بالإضافة إلى اللبن الذي قد يضاف إليه السمن البلدي لتعزيز نكهته. السمبومة شقت طريقها إلى اليمن لتصبح من الأطعمة المتواجدة على موائد الإفطار بعد أن كان طبق «الشفوت» هو المفضل.
والشفوت طبق تقليدي من الأرغفة التي تصف فوق بعضها البعض وتمزج باللبن والثوم والفلفل الحار. وليلاً تخصص الجلسات لدرس القرآن وتعلم الأحاديث والأحكام الفقهية والموشحات الدينية.